يطمح العديد من الموظفين إلى الترقي في مناصبهم الوظيفية ويبذلون في سبيل ذلك كثيراً من الجهود، ولكن في بعض الأحيان لا تكون هذه الجهود وحدها كافية، وقد تذهب سدًى دون توجيهٍ صحيحٍ.

انطلاقاً من هذه الحاجة نشأ مفهوم الكوتشينغ المهني الذي سنتعرف عليه في هذا المقال، وعلى أهميته في تحديد الأهداف الوظيفية بوضوح، وبناء شبكة علاقات قوية تدعم المسار المهني، وتُحسّن الأداء وتتجاوز العقبات في بيئة العمل، بالإضافة إلى تعزيز المهارات المهنية والنمو الوظيفي والحصول على الترقيات.

الكوتشينغ المهني: تحديد الأهداف الوظيفية بوضوح

تعدُّ الاستعانةُ بالكوتشينغ من المتطلبات الأساسية التي لا غنى عنها لكل موظف يسعى للتميز وتحقيق الأهداف الوظيفية في بيئة العمل.

كيف يساعد الكوتشينغ المهني في تحديد أولوياتك المهنية؟

يؤدي الكوتشينغ المهني دوراً هامّاً في مساعدة الموظفين على تحديد أولوياتهم المهنية. فالكوتش يساعد الموظف على فهم نفسه واكتشاف مهاراته واهتماماته وقيمه، ومن خلال ذلك يستطيع الموظف تحديد الأهداف المهنية الخاصة به بطريقة تكون فيها قابلة للقياس ومحددة زمنياً. بالإضافة إلى ذلك، يمنح الكوتشينغ الموظف وضوحاً في الرؤية وتركيزاً وتحفيزاً من أجل بلوغ أهدافه، إلى جانب تفعيل حس المسؤولية لديه وزيادة فعاليته.

أهمية وضع أهداف واضحة لتعزيز فرص الترقية

يعزز الموظفون فرص ترقيتهم حين يُبدون التزاماً وتميزاً في أداء مهامهم. هنا يبرز دور الكوتشينغ المهني الذي يساعد الموظف على تحديد أهدافه الوظيفية بدقة وتفانٍ وبصورة مجدولة زمنياً وقابلة للقياس، والتواصل بفعالية مع زملائه في الفريق ومع قادة الفِرَق والمديرين، بالإضافة إلى تحسين مهارته في التفاوض وصياغة سيرته الذاتية التي يتقدم بها إلى الشواغر الوظيفية الأعلى.

استراتيجيات عملية لتطوير مهاراتك الوظيفية

من أجل تطوير المهارات الوظيفية للموظف لا بُدَّ من اتباع العديد من الاستراتيجيات، التي يكون الكوتشينغ المهني دليلاً للوصول إليها. ونذكر منها ما يلي:

دور التدريب المستمر في تعزيز الكفاءة المهنية

يقوم الكوتشينغ بتعزيز الدافع لدى الموظفين لتطوير أنفسهم باستمرار، فهو يشجع على التعلم الذاتي أو المؤسساتي، خاصة في ظل التغيرات الكثيرة والمتسارعة التي تطرأ على بيئة العمل. عند تنمية الرغبة بالتعلم لدى الموظف، وتعزيز شعوره بالمسؤولية، فهو يندفع للانخراط في برامج تدريبية مستمرة تهدف إلى تطوير مهاراته المهنية والشخصية، مما يمكنه من التكيف بفاعلية أكبر مع بيئة العمل الحديثة.

أمثلة على المهارات التي تحتاجها للترقي في بيئة العمل

يساعد الكوتشينغ على تعزيز المهارات المطلوبة لدى الموظف للترقي في بيئة العمل، ومن أهمها مهارة تحسين العلاقات التي تتطلب كثيراً من الوعي الذاتي لتحقيق تواصل أفضل مع الآخرين. يضاف إليها تحسين الأداء في بيئة العمل، كون الأداء هو المعيار الأول الذي يتم النظر إليه عند منح الترقية. ومن المهارات الأخرى الهامة: مهارة اتخاذ القرارات ومهارة الثقة بالنفس ومهارات التواصل والتفاوض.

الكوتشينغ المهني: بناء شبكة علاقات قوية لدعم مسارك

يدرك الجميع أهمية العلاقات المهنية في التطور المهني وتحقيق الترقيات، فكيف نستخدم الكوتشينغ المهني لدعم المسار المهني؟

كيفية توجيه الكوتشينغ لتعزيز العلاقات المهنية

لتطوير المسار الوظيفي وتحقيق الترقيات، لا بُدَّ من بناء علاقات مهنية فعّالة. يجب أن تكون هذه العلاقات مبنية على الاحترام المتبادل والود والإيجابية في الوقت نفسه. وهنا يبرز دور الكوتشينغ المهني الذي يوجه الموظف نحو إنشاء علاقات من هذا النوع مع زملائه في الفريق ومع قادته، ويكسبه شعبية في بيئة العمل تدعمه في كل خطوة في مسيرته المهنية.

أهمية شبكة العلاقات في تحقيق الترقيات

إنَّ بناء العلاقات مع الآخرين، سواء في الشركة ذاتها أم مع الشركات التي يتم التعاون معها من شأنه أن يفتح أمام الموظف كثيراً من الفرص لتحقيق الترقيات. عندما تكون هذه العلاقات إيجابية، سوف تدعم حصول هذا الموظف على الترقية دون غيره، بالتوازي مع أدائه الوظيفي بالتأكيد، وهنا يبرز دور كوتشينغ المهنة الذي يساعد الموظف على إبراز هذه الجوانب.

أهمية التخطيط المسبق للنجاح الوظيفي

لا يمكن للنجاح أن يكون عشوائياً في أي جانب من جوانب الحياة. لذلك، إنَّ النجاح الوظيفي المستدام هو صنيعة الكوتشينغ المهني الاحترافي.

استراتيجيات عملية لتطوير خطط مهنية فعالة

لتطوير المسار الوظيفي، لا بُدَّ من اتباع بعض الاستراتيجيات التي تصب في تطوير الكفاءات المهنية. لا يمكن القيام بذلك دون تحديد أهداف مهنية لكل موظف وتقسيمها إلى أهداف جزئية أصغر مجدولة زمنياً وقابلة للقياس، مترافقة مع تفكير نقدي أثناء عملية التخطيط لرسم سيناريوهات للمخاطر وخططٍ لتجنبها، ما يؤدي إلى ضمان نجاح تنفيذها.

كيف يساعد التخطيط في تحقيق أهداف مهنية طويلة الأمد؟

الأهداف المهنية طويلة الأمد هي نتائج يتم الحصول عليها من خلال تقسيم الهدف الكبير إلى أهداف صغرى؛ إذ لا يمكن مثلاً الوصول إلى منصب إداري عالٍ دون المرور بالترتيبات الوظيفية. وهنا يأتي دور كوتشينغ المهنة الذي يساعد الموظف على إثبات نفسه في مهمته الحالية، ومن ثمَّ التوجه نحو الترقية لمنصب أعلى من خلال الاجتهاد في أداء العمل وبناء العلاقات، وبعد ذلك تطبيق هذه الخطوات في المناصب التالية حتى يبلغ هدفه المنشود.

الشغف والالتزام: الكوتشينغ لتحفيز التطور المستمر

لا يمكن تحقيق أي هدف وظيفي دون اجتهاد، وهذا الاجتهاد يتطلب سعياً والتزاماً وشغفاً، ويبرز دور الكوتشينغ المهني في تحقيق ذلك من خلال ما يلي:

1. تعزيز الالتزام بالأهداف من خلال الكوتشينغ المهني

يتطلب تحقيق الأهداف كثيراً من الالتزام والاجتهاد، وهذا يصبُّ في تحقيق النجاح الوظيفي المستدام. هنا، تظهر أهمية الكوتشينغ المهني في تحفيز الموظف باستمرار، وإثارة حماسه، وتقوية إرادته، ليظل ملتزماً بالخطوات التي تقوده إلى هدفه. كما يساهم الكوتشينغ في طرد شبح اليأس والملل، وتعزيز إحساس الموظف بالمسؤولية، لضمان تفانيه في تحقيق أهدافه التي وضعها بنفسه.

2. دور الشغف في دعم التطور المهني والترقيات

يقوم الكوتشينغ المهني بمساعدة الموظف على اختيار المجال الذي يجد فيه شغفه؛ لأنَّ الشغف هو وقود تطوير المسار الوظيفي وتحقيق النجاح الوظيفي المستدام، ونتيجة لذلك يتم تحقيق الترقيات المتتالية. فإذا لم يكن الموظف شغوفاً في المجال الذي يعمل فيه، فإنَّه لن يجد الطاقة والمتعة اللازمة لمتابعة الكفاح، وبذل الجهد للوصول إلى أهدافه المهنية.

دراسات حديثة: تأثير الكوتشينغ المهني على النمو الوظيفي

تثبت العديد من الدراسات والإحصائيات الدور الهام الذي يؤديه كوتشينغ المهنة في النمو الوظيفي، إليكم بعضاً منها:

نتائج دراسات توضح دور الكوتشينغ في تحسين فرص الترقي

نعلم جميعاً التناسب الطردي بين الأداء الوظيفي وفرص الترقي، ففي دراسة أجريت على 2165 مستفيداً ضمن 62 دولة، لتبيان أهمية الكوتشينغ وتخصصاتهم، تبيّن أنَّ الكوتشينغ المهني استطاع أن يرفع معدلات الأداء الوظيفي بنسبة 70%، ممّا يعزز فرص هؤلاء الموظفين في الحصول على ترقيات وظيفية في شركاتهم.

إحصاءات تبين تأثير الكوتشينغ المهني على تحقيق النجاح المهني

لدراسة فعالية كوتشينغ المهنة وتأثيره على تحقيق النجاح المهني أُجريت العديد من الإحصائيات، ونذكر منها: إحصائية قام بها الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF)، وجد فيها أنَّ 70% من الموظفين الذين خضعوا للكوتشينغ المهني، أفادوا بتحسُّنٍ في مهارات التواصل وأداء الأعمال، وحققوا أهدافهم الوظيفية حتى وصلوا إلى النجاح المهني.

تعزيز المهارات القيادية للحصول على الترقيات

يتطلب الحصول على الترقيات امتلاك الموظف مجموعة من المهارات القيادية، وهنا يحرص الكوتشينغ المهني على تنمية المهارات القيادية لدى الموظف؛ مما يؤهله لشغل المناصب العليا.

كيفية تحسين المهارات القيادية بمساعدة الكوتشينغ

يساعد الكوتشينغ المهني الموظفين على تنمية مهارات الذكاء العاطفي لديهم، بما في ذلك مهارة التواصل الفعال مع الآخرين، والتي تُعد من المهارات القيادية الأساسية. يتضمن تطوير المهارات القيادية من خلال الكوتشينغ المهني عدة جوانب، مثل تأهيل الموظف لإدارة التغيير، وتحسين القدرة على اتخاذ القرارات، ورفع مستوى الوعي الذاتي. وفي دراسة أجراها الاتحاد الدولي للكوتشينغ ICF، تبيّن أنَّ 80% من الموظفين الذين خضعوا للكوتشينغ صرحوا عن زيادة ثقتهم بأنفسهم، وهذه الثقة هي عماد الشخصية القيادية.

أهمية القيادة في تحقيق الترقيات داخل المؤسسات

إنَّ مَن يتمتع بالشخصية القيادية هو الأجدر بالحصول على الترقيات؛ لأنَّ الترقية غالباً ما يكون من تِبعاتها الإشراف على عدد أكبر من الموظفين. وبما أنَّ كوتشينغ المهنة معنيٌّ بتنمية المهارات القيادية، فإنَّ تعزيز مهارات الشخصية القيادية يُعد مؤهلاً إضافياً يزيد من فرصة الموظف في الحصول على الترقية في مؤسسته.

الكوتشينغ المهني وأثره على تحسين الأداء في بيئة العمل

يقوم الكوتشينغ المهني بإحداث تغييرات إيجابية على الموظف من الناحيتين المهنية والشخصية، مما ينعكس على أدائه في بيئة العمل.

كيف يساعد الكوتشينغ المهني على تحليل الأداء وتطويره؟

بما أنَّ الكوتشينغ المهني يساعد الموظف على تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف لديه وإيجاد شغفه، فهو يمكّنه من إلقاء نظرة حيادية على مهامه التي يقوم بها، فيدرك مواطن القوة والضعف لديه، ويعرف أين يجب أن يُحسّن من نفسه، لينعكس ذلك بصورة إيجابية على أدائه لمهامه ومن ثمَّ تطوير سيرورة العمل.

تأثير الأداء المُحسن على زيادة فرص الترقية

عندما يرغب مدير بمنح ترقية لموظف فإنَّه بالتأكيد سينظر إلى أدائه وإنتاجيته. ومن خلال الكوتشينغ المهني يتم تطوير المهارات المهنية التي ينعكس تطورها على تطوير المسار الوظيفي، مما يزيد من فرص الترقية. فالموظف الذي يشهد تحسناً ملحوظاً في أدائه المهني يصبح نموذجاً يحتذى به لزملائه، ويشجعهم على اتباع نفس النهج التطويري.

تجاوز العقبات المهنية من خلال الكوتشينغ

نظراً لأنَّ كوتشينغ المهنة يعمل على تحفيز الموظف وتعزيز ثقته بنفسه، فإنَّه يؤثر أيضاً في طريقة تعاطيه مع العقبات المهنية ويحوّلها من مجرد مسببات للقلق وعوائق إلى فُرص للنمو والتطور.

استراتيجيات للتغلب على تحديات النمو الوظيفي

تختبر تحديات النمو الوظيفي مرونة الموظفين، ويبرز دور الكوتشينغ المهني في تعريف مفهوم التقدم أو النمو الوظيفي لهم والإضاءة على تحدياته، ومن ثمَّ تحديد العوائق الشخصية والمهنية التي تقف أمام الموظف وتواجه نموه المهني. كما يسعى إلى تعزيز استراتيجيات التعلم المستمر والنمو لدى الموظف التي تزيد من فرص ترقيته، ويساعد على بناء العلاقات المهنية الصحية من أجل تعزيز الفرص والدعم. يساعد الكوتشينغ المهني أيضاً في الاستفادة من الإرشادات من أجل تنَقُّل سلس في المسارات الوظيفية، وتنمية عقلية الموظف للتغلب على الانتكاسات المهنية التي قد تواجهه، والترويج لنفسه وإنجازاته مما يُمكّنه من الظهور والحفاظ على الاندفاع والتخطيط المستمر لنجاحات مستقبلية متتالية.

دور الكوتشينغ في تحويل الأزمات إلى فرص مهنية

يُركز الكوتشينغ المهني بصورة كبيرة على تعزيز المرونة النفسية لدى الموظفين، ويتم ذلك من خلال اعتبار الفشل فرصة للتعلم وتقوية قدرتهم على التكيف في مواجهة التغيرات، وتشجيعهم على المثابرة ومنحهم رؤية طويلة الأمد، وبناء شبكة داعمة مع الموجهين والأقران والفِرَق، ومن ثمَّ التعامل مع الحياة المهنية على أنَّها رحلة تعلم مستمرة. كما يحرص الكوتشينغ المهني على ذكر نماذج ناجحة لأشخاص استطاعوا تحويل المحن إلى فرص واجتياز الصعاب، مثل ج. ك. رولينج مؤلفة سلسلة هاري بوتر، وتوماس إيديسون، وشيريل ساندبرج المديرة التنفيذية للعمليات في فيسبوك.

في الختام

من خلال ما تَقدَّم نجد أنَّ الكوتشينغ المهني هو حاجة ماسّة لكل موظف يسعى إلى الترقية في مساره الوظيفي، فهو أداة فعالة في تحديد الأهداف الوظيفية بوضوح، وبناء شبكة علاقات قوية لدعم المسار المهني، وتعزيز الالتزام والشغف والمهارات القيادية اللازمة لتحقيق الترقيات، بالإضافة إلى تركيزه على تحسين الأداء وتجاوز العقبات التي تعترض طريق النمو الوظيفي.

المصادر

• دور الكوتشينغ في تحسين أداء الموظفين وتحقيق النجاح التنظيمي
• «الكوتشنج» أحد مهن المستقبل العشرة ويتواءم مع رؤية 2030 وبرنامج جودة الحياة
• التقدم الوظيفي: كسر الحواجز: التغلب على التحديات في التقدم الوظيفي