تطوير القيادة عن طريق الكوتشينغ: مفتاح نجاح القادة
الكوتشينغ الكوتشينغ القيادي الإنتاجية تطوير القيادة
كل شخص - بصرف النظر عن مستوى نجاحه - يحتاج إلى مَن يُرشده ويساعده على تحسين أدائه، فوجود "كوتش" يراقب عملك، ويقدم نصائح صادقة أصبح ضرورياً اليوم لتحقيق التحسّن والنمو الشخصي المطلوب. بناءً على ذلك، الكوتشينغ هو شراكة بين الكوتش والمستفيد، تركز على تمكين الأفراد من اكتشاف إمكانياتهم الداخلية، وتحفيزهم على إيجاد الحلول بأنفسهم من خلال مساعدتهم على التعلم بدلاً من أن يُعلّمهم.
يمكن القول بأنَّ تطوير القادة عن طريق الكوتشينغ من الأساليب الحديثة المستخدمة عالمياً في تعزيز قدرات القادة وزيادة وعيهم الشخصي، وترسيخ المفاهيم الإدارية الحديثة وتحسين الثقافة المؤسسية بالصورة التي تجعل القادة قادرين على إلهام الآخرين من أجل تحقيق مستويات أعلى من الأداء والابتكار، وإيجاد حلول فعّالة بدلاً من انتظار حلول جاهزة.
أهمية الكوتشينغ القيادي في تطوير القادة
القيادة ليست سِمة فطرية بالمطلق، بل مهارة يمكن اكتسابها وتطويرها. تشير الدراسات إلى أنَّ ما يقارب 30% من صفات القيادة تعود إلى العوامل الوراثية، بينما 70% منها تعتمد على التعلم والنمو. وهذا يفتح المجال أمام الكوتشينغ القيادي ليكون أداة قوية في مساعدة القادة على تحسين قدراتهم وتنمية مهاراتهم. أصبح هذا المجال الذي أثبت أهميته مراراً وتكراراً خياراً شائعاً للشركات التي ترغب في تحقيق نتائج طويلة الأمد، للأسباب التالية:
1. تحسين الكفاءات الشخصية
أظهرت دراسة نُشرت في مجلة "A JEL"، شملت 2165 مستفيداً من جلسات الكوتشينغ في 62 دولة، أنَّها قد حققت تحسينات ملموسة وواقعية في حياة المستفيدين، حيث زادت الثقة وتقدير الذات بنسبة 80%، وتحسّنت مهارات التواصل بنسبة 72%، والأداء الوظيفي بنسبة 70%، والعلاقات بنسبة 73%، كما ارتفعت السعادة الأسرية بنسبة 66%.
في الحقيقة، يظهر تأثير الكوتشينغ القيادي بوضوح في تطوير القادة من خلال تحسين الكفاءات الشخصية، ولاسيما تعزيز وعيهم الذاتي؛ مما يساعدهم على تحديد نقاط قوتهم وضعفهم وفهمها ويتيح لهم فرصة العمل على تطوير الجوانب القيادية التي تحتاج إلى تحسين. فالكوتشينغ القيادي يمنح القادة مساحة للتفكير، ووقتاً لابتكار أساليبهم القيادية الخاصة بهم مع تحديد قيمهم وأهدافهم الواقعية، ويصبح القائد بذلك قادراً على اتخاذ قرارات مدروسة وتحديد الأولويات بوضوح.
كما يركز الكوتشينغ القيادي على تطوير استراتيجيات القيادة الفعالة، وأهمها مهارات التواصل، فمن خلال جلسات الكوتشينغ يُمكن للقادة التعرف على أساليب التواصل التي يستخدمونها -سواء أكانت تلك الأساليب شفهية أم غير شفهية- وسُبل تحسينها؛ للوصول إلى أفضل النتائج مع فِرَقهم.
تطوير القيادة عن طريق الكوتشينغ يمتد إلى تطوير مهارة الاستماع والتركيز على التفاصيل الجوهرية المهمة؛ مما يمنحهم القدرة على بناء علاقات متينة داخل الفريق وتعزيز التواصل مع جميع الأفراد، ومعالجة المشكلات بصورة أفضل وتحقيق تفاعل إيجابي مع أعضاء الفريق.
2. دعم اتخاذ القرارات
تظهر أهمية القيادة عن طريق الكوتشينغ في عملية دعم اتخاذ القرارات؛ أي يمكنك تخيّل جلسة الكوتشينغ القيادي كمرآة تعكس للقائد طريقة تفكيره، وتساعده على رؤية الأمور بوضوح، بعيداً عن التشتت أو الضغوط اليومية، وتعلّمه التفكير النقدي وكيفية تحليل الخيارات المتاحة وتقويمها، وفهم النتائج المحتملة قبل اتخاذ أي قرار. فهو يشجعه على استكشاف كل الجوانب المحيطة بالموقف -سواء أكانت نقاط قوة أم تحديات- وهذا يمنحه رؤية واضحة، ويمكّنه من التكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة، واتخاذ قرارات مدروسة وواعية تنسجم مع أهدافه وأهداف المنظمة.
بالإضافة إلى ذلك، يساعد الكوتشينغ القادة على تطوير الذكاء العاطفي، وهو عنصر أساسي في اتخاذ قرارات متوازنة، فبدلاً من اتخاذ قرارات مُتسرّعة أو مبنية على المشاعر الحالية، يصبح القائد قادراً على تقييم الأمور بموضوعية والتفكير في العواقب المحتملة لكلِّ خيار. بمعنى آخر، الكوتشينغ لا يضع القرار الصحيح بين يدي القادة، بل يمدّهم بالأدوات التي تساعدهم على اتخاذه بأنفسهم.
تعزيز الإنتاجية والتنظيم لدى القادة
لا يقتصر تأثير تطوير القادة عن طريق الكوتشينغ على تحسين مهاراتهم الشخصية والقيادية فقط، بل يمتد ليشمل تعزيز الإنتاجية والتنظيم داخل المؤسسات، فقد بيّنت مِنصة "فينجر برينت فور ساكسيس" (Fingerprint for Success): أنَّ دمج برامج التدريب مع الكوتشينغ يؤدي إلى زيادة الإنتاجية بنسبة تصل إلى 86%، مقارنة بزيادة قدرها 22% عند استخدام برامج التدريب فقط. وهذا يؤكد أنَّ الاستثمار في الكوتشينغ لا يُحسّن أداء القادة فحسب، بل يرفع من كفاءة المؤسسات إجمالاً. فالكوتشنغ القيادي يُمكّن من:
1. بناء فِرَق قوية
يقول بيل غيتس: "تتجلى القيادة الحقيقية في القدرة على بناء فريق قوي، يعمل بانسجام ويكمل أفراده بعضهم بعضاً لتحقيق العظمة المشتركة" موضحاً أهمية الكوتشينغ في بناء فِرَق عمل فعّالة. في جلسات الكوتشينغ، يتعلم القائد كيفية التواصل بفعالية مع أعضاء الفريق، ويساعدهم على فهم مشاعرهم ومشاعر الآخرين، كما يزودهم بأساليب التفكير وتحليل المواقف من زوايا متعددة؛ ليتمكنوا من اختيار الحلول الأكثر تأثيراً، وبالتالي توجيه الفريق نحو الحلول التي تعزز التعاون والإنجاز الجماعي.
يساعد الكوتشينغ القيادي القادة في بناء الثقة داخل فِرَقهم، فيُزودهم بالأدوات اللازمة لإدارة الصراعات بإيجابية والتعامل مع التحديات، ويؤمن أنَّ الثقة هي الأساس الذي يُبنى عليه التعاون بين أعضاء الفريق؛ فكلما زادت الثقة، زادت قدرة الفريق على مواجهة التحديات وتحقيق النجاح.
2. تحديد الأولويات
ليست جميع المهام بنفس القدر من الأهمية؛ فبعضها يكون أكثر تأثيراً على نجاح الفريق من غيرها، لذلك، من الضروري أن نعرف كيف نحدد ما هو الأهم ونركز عليه، ونتخلى عن المهام التي لا تساهم في تحقيق الأهداف بصورة كبيرة.
يساعد تحفيز الفريق عن طريق الكوتشينغ القيادي على تحديد الأولويات، حيث يُمكّن القادة من استكشاف المهام التي تؤثر بصورة مباشرة على النجاح العام للفريق أو المنظمة، ويعلمهم كيفية تمييز المهام العاجلة والهامة، وكيفية تفويض المهام بصورة استراتيجية لتوزيع الجهد والموارد بالطريقة المثلى.
3. تحقيق التوازن
تطوير القيادة عن طريق الكوتشينغ هي أداة فعّالة في مساعدة القادة على تحقيق التوازن بين حياتهم الشخصية والمهنية، وكذلك بين أهداف الفريق وأهداف المؤسسة. من خلال جلسات الكوتشينغ يتعلم القادة كيفية تحديد الأولويات وتفويض المهام وإدارة الوقت، وتجنب التسويف وتحديد المهام العاجلة والمهام التي يمكن تأجيلها، وأدوات التقييم الشخصي وأدوات تقييم فريق العمل، والتعامل مع الضغوط اليومية ووضع الحدود بين العمل والحياة الشخصية، وغرس عقلية النمو؛ مما يسهم في تحسين إنتاجيتهم وإدارة وقتهم بكفاءة، وتحقيق توازن أفضل بين حياتهم المهنية والشخصية وزيادة مستوى الرضا العام.
أثر القيادة الفعّالة على تحقيق الأهداف المؤسسية
القيادة الفعالة هي القدرة على تحويل الرؤية إلى واقع ملموس، فالقادة الحقيقيون لا يكتفون بتحقيق النجاح بأنفسهم؛ بل يُلهمون الآخرين ليتجاوزوا حدود إمكانياتهم ويحققوا ما لم يتوقعوا أنَّه ممكن، فهم يصنعون قادة آخرين.
يظهر أثر القيادة الفعالة في تحقيق أهداف المؤسسة من خلال:
1. تحفيز الفريق
تحفيز الفريق عن طريق الكوتشينغ القيادي هو أهم أدوار القيادة الفعّالة لتحقيق أهداف المؤسسة. في الحقيقة، عندما يشعر الموظفون بالدافع للعمل يصبحون أكثر التزاماً وإنتاجية، وعندما يدركون أنَّ لديهم الدعم اللازم للنمو والتطور، يزداد إحساسهم بالانتماء ويحاولون تقديم أفضل ما لديهم.
القائد الذي يُطبّق الكوتشينغ بنجاح يحفز فريقه ويرفع من روحه المعنوية ويشجعه على بذل أقصى جهده؛ مما يعزز من قوة الفريق وتماسكه، ويجعله قادراً على تحقيق أهداف المؤسسة بكفاءة ونجاح.
2. تحسين عمليات اتخاذ القرار
يظهر تأثير الكوتشينغ القيادي على تطوير القادة من خلال تعزيز قدرة القائد على اتخاذ قرارات استراتيجية ومتزنة. عندما يحصل القائد على تدريب كافٍ عن طريق الكوتشينغ، يتعلم كيفية تحليل الخيارات بوضوح، وفهم المواقف من زوايا متعددة واستبعاد العواطف، وعزل الضغوط الخارجية أو إدارتها، وتقييم المخاطر قبل اتخاذ أي خطوة، وفي النهاية، رؤية الصورة الأكبر وزيادة فرص اتخاذ القرار الصحيح.
التأثير الاستراتيجي للتواصل الواضح في القيادة
التواصل الواضح هو حجر الأساس في قيادة أي مؤسسة ناجحة، فالقادة الجيدون يتواصلون بطريقة تربط بين ما يريدون قوله وبين ما يحتاج الآخرون إلى سماعه بالفعل. يظهر التأثير الاستراتيجي للتواصل الواضح في القيادة في:
1. بناء الثقة
الثقة الناتجة عن الشفافية عامل استراتيجي في نجاح المؤسسات على الأمد الطويل، فالموظفون يشعرون بالأمان والانتماء عندما يكون القائد واضحاً في توجيهاته، وصريحاً بشأن الأهداف والتحديات التي تواجه المؤسسة. الشفافية هنا تعني مشاركة المعلومات والاستماع لآراء الفريق بجدية واهتمام، فعندما يدرك الفريق أنَّ القائد لا يُخفي المعلومات المهمة ويتعامل معهم بوضوح واحترام، فإنَّ ذلك يقلل من الشائعات وسوء الفهم، وينجح في بناء ثقافة مؤسسية قائمة على الثقة وتحقيق الأمان النفسي.
2. توجيه الجهود
يسهم الاتصال الواضح في تحديد الصورة الذهنية للمؤسسة، ويترجم فلسفتها وثقافتها في خططها وأهدافها المستقبلية؛ مما يساعد في توجيه الجهود نحو التركيز على الأولويات والأعمال الأكثر أهمية، ويحد من فرص التشتت أو الارتباك بشأن المهام، واحتمالية إهدار الموارد أو الوقت أيضاً، ويضمن بذلك أنَّ جميع الجهود تسير نحو تحقيق الأهداف المحددة.
قصة نجاح: كيف ساعد الكوتشينغ في تحقيق التحول؟
أفادت دراسة الاتحاد الدولي للكوتشينغ ICF لعام 2009، أنَّ معظم الأفراد والشركات التي اعتمدت الكوتشينغ قد تمكنّوا من استعادة استثماراتهم، وشركة أمازون واحدة من الشركات الرائدة التي تبنّت استراتيجيات الكوتشينغ. توفّر أمازون مجموعة متنوعة من برامج الكوتشينغ التي تستهدف تطوير مهارات الموظفين في المجالات المختلفة، بما في ذلك:
- برنامج (Associate2Tech): يهدف إلى تمكين الموظفين من الانتقال إلى وظائف تقنية داخل الشركة.
- برنامج (Machine Learning University): يوفر تدريباً متخصصاً في مجال تعلم الآلة.
- برنامج (Amazon Career Choice): يساعد الموظفين في تطوير مهارات جديدة تتوافق مع احتياجات سوق العمل.
- برنامج (Amazon Apprenticeship): يقدم فرصاً تدريبية متقدمة في مجالات متعددة.
- شهادة أمازون (AWS Training and Certification): يتيح للموظفين الحصول على شهادات معتمدة في خدمات أمازون السحابية.
كشفت أمازون في يوليو 2019، عن استثمار ضخم بقيمة 700 مليون دولار في مبادرة "Upskilling 2025"، التي تهدف إلى إعادة تأهيل مهارات الموظفين وتطويرها في الولايات المتحدة. وقد ركز هذا المشروع على تحسين الأداء وتنمية المهارات القيادية، ومساعدة الموظفين في تحقيق أهدافهم المهنية، بالإضافة إلى تعزيز التواصل والتعاون داخل بيئة العمل. بدأت نتائج برامج الكوتشينغ في أمازون بالظهور خلال فترة تُراوح بين 3 إلى 6 أشهر من تطبيقها.
في الختام
تطوير القيادة عن طريق الكوتشينغ هو مفتاح النجاح المؤسسي اليوم، فالكوتشينغ القيادي وتأثيره على تطوير القادة يظهر بوضوح في تحسين مهارات التواصل وتعزيز القدرة على اتخاذ القرارات، وبناء فِرق عمل قوية وزيادة الثقة بين القادة وأفراد فِرَقهم.
أثبتت التجارب في كبرى الشركات العالمية، أنَّ الاستثمار في برامج الكوتشينغ هو السبيل لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة وتعزيز الإنتاجية. لذا، فإنَّ تبنّي أساليب الكوتشينغ اليوم ضرورة ملحّة لضمان قيادة أكثر مرونة، وقادرة على مواجهة التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة.
المصادر
دعنا نساعدك
دعنا نساعدك
حقق أهدافك واحصل على الدعم الذي تحتاجه، تواصل معنا وابدا رحلة التغيير التي تريدها.
تواصل معنا الآن
آخر المدونات
اشترك في نشرتنا الإخبارية
اكتب بريدك الالكتروني واضغط على زر اشتراك
اشترك الآن واحصل على آخر المقالات والأبحاث والمنتجات التي تجعلك أقوى من أي وقت قد مضى.